السبت، 12 أبريل 2014


تم نشر مقالة أمس ل إيهاب ممدوح بتاريخ 11/4/2014 في جريدة الجريدة بعنوان 《أبسط من البساطة》
http://www.aljarida.com/pages/news_more/2012656439/0
نفس المقالة نشرت في صحيفة آل مكتوم في الإمارت اليوم






الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حاتم الطائي و أنا

في قطار خال من البشر اتجاهه نحو الخير , كنت أشعر بالفراغ فكنت أنظر إلى الشجر الأخضر من النافذة , عند توقف القطار قليلا جاء علي من بعيد رجل طويل القامة قوي البنية و تظهر عليه بشدة عليه الملامح الطيبة و وسامته البراقة يبدو أنه في متوسط العمر يجمع بين قوة الشباب و حكمة الشياب , ألقى تحية السلام و هو يبتسم فرددت عليه بابتسامة مماثلة , كان يضع حقيبة كبيرة ملونة بعدة ألوان تجلب البهجة , بعد ما يرب من عشر دقائق فتحها و أخرج منها ماء و حليب و عسل و أطعمة كثيرة تشتهيها الأنفس , طلب مني أن أشاركه و كان جادا , ولكنني شكرته و قلت له أنني أكلت قبل أن أصعد إلى القطار و أن معدتي ممتلئة جدا , فلم يفرض نفسه علي و لكن بعدها بربع ساعة تقريبا ألح علي أن أأكل و أن أشاركه و لم أرفض  , كان فعلا الطعام لذيذ و كان فعلا رجل كريما , شكرته على الخيرات التي أعطاني إياها و قال لي بكل تواضع "لالا شكر على واجب " , عدت بعدها لأنظر إلى إبداع الخالق في خلقه من النافذة , لاحظت  أنه يتابعني و يركز في ما أرى , قال بهدؤ : " ما أجمل الشجر و ما أجمل الطيور ! " , رددت عليه " نعم " , قال : " سبحان الله ".
ابتسم و قال : " على أيامي كنت أطلع فوق شجر مثل هذا حتى أجمع الثمار و أوزعها على الفقراء " , ثم تابع : " أعلم أنه لا يجب أن أقول هذا , و لكن لا تظنه تباهي بعمل الخير لكن قل أنه اشتياق له" .. نظر إلى عبنه التي تشع نوراً و قلت : " ما شاء الله " , ثم سألته : " لماذا تقول (( على أيامي )) ؟ يبدو عليك الشباب و أ،ك ما زلت في عز أيامك ! " , ضحك و قال : " أتعلم من أنا ؟ " احترت قليلا فاستدرك : "لا بد أن الإجابة لا " أكدت : " هذا صحيح ! " , قال : " أنا حاتم " , قلت بأدب : " تشرفنا و لكن حاتم من ؟! " حتى لا أجرحه , فأستقبل السؤال بروح مرحة : " أنا حاتم الطائي " , بعد أن قال الاسم جالت بخاطري أشعار حاتم الطائي و جاء على بالي ما قاله الرسول صلى الله عليه و سلم عنه في الحادثة الشهيرة الخاصة بأسر ابنته حين قال الرسول لأصحابه : " خلوا عنها , فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق" , " لا بد أنك سعيد لأن اسمك يشابه اسم أحد كرماء العرب في الجاهلية و ربما أكرمهم وقتها ! " قلت له بابتسامة كبير و عميقة من القلب , فطالع الشجر من النافذة و قال : " لا لا , يا ولدي أنا اسمي ليس مشابهاً له , بل أنا هو " , صمت و تعجبت ففكرت و بدأت اتساءل إن كان حقا هو أم لا !
لا أستطيع أن أستبعد أن يكون هو , هنالك شئ ما يدفعني إلى تصديقه مع أنني لا أمتلك أي دليل محسوس و لكن ربما لأنه صادق بالفعل , قاطع سرحاني : " ألا تصدقني ؟! " , رددت : " كلا , كيف لا أصدقك و كل صفاتك و أخلاقك و تصرفاتك اكد تجزم أنك حاتم الطائي .. فعلا أنت كما تخيلتك بالظبط "هز رأسه مع وضع يده على صدره دليلاً على الامتنان , سألته أن يعلمني الكرم فأنهال علي بحكمته : " الكرم لا يعلم , الكرم فطرة و غريزة بداخلك كل ما عليك أن تبحث عنها , و حين تجدها أجعلها تنطلق و تقودك في كل شئ في حياتك " , شكرته و طلبت منه أن يخبرني بأكثر الناس كرماُ في أيامنا هذه , أشر بأصبعه على الشجر فرأيت العجب ! 

كل شجرة تعكس صور أحد عظماء عالمنا الحالي , أعجبه تعجبي لكنه لم يستمر في النظر إلى الشجر و نظر إلي و قال : " لا تستعجل في معرفة من هو فهو حتماُ سيأتي في شجرة من هذه الأشجار مع تحرك القطار .. و سأقول لك من هو في الوقت المناسب ".
غفى حاتم قليلاُ و كنت أختلس النظر من الحين إلى الآخر لأرى الشخصيات على الشجر و تغيرها مع حركة القطار , ثم أنظر إلى حاتم و هو ينام كالأطفال و في نفس الوقت فيه هيبة أشجع الفرسان .. و في مرة لفتت انتباهي شجرة كبيرة فيها خير كثير تشع خضرة و حياة تكثر غصونها و تتجمع عليها الطيور الجميلة لتأكل من فاكهتها الطازجة كما يبدو عليها , كان على هذه الشجرة صورة الشيخ خليفة بن زايد , تذكرت أعمال خليفة بن زايد الخيرية في أفريقيا و الدول الفقير حول العالم تذكرت حبه للوطن العربي و مساندته لكل دول الوطن العربي في محنتها تذكرت رفعه راية دولة الامارات و تقدمه بها أ:ثر ما هي متقدمة .. تذكرت كل شئ عن هذا الرجل العظيم .. صحى حاتم و توقف القطار أمام الشجرة التي عليها صور الشيخ خليفة بن زايد .. اختفت كل الصور من على كل الأشجار ماعدا صورة الشيخ خليفة بن زايد التي كانت تعظم في عيني أكثر فأكثر في كل ثانية تمر أمامها , قال لي حاتم بصوت عالٍ ملئ بالسعادة و السرور : " الشيخ خليفة بن زايد .. خير خليفة لوالده الشيخ زايد آل نهيان .. أتعلم ؟ لقد قابلت والده في الجنة و قال لي أنه راضٍ عنه " , لم أستطع الكلام من كثرة عظمة الموقف و تمنيت لو أن الشيخ خليفة يسمع كلام حاتم حينها , تأملت في صورة الشيخ خليفة و دعوت له من كل قلبي بكل الخير الذي كنت أتوجه له بالقطار .

 و قف حاتم و أرتجل : " لو كنت في زمنه لكنت أبخل البخلاءِ
                               مهما أعطيت من مالٍ و دواءِ
                               بالنسبة له أنا حقا أبخل البخلاءِ 
                         فالكرم له وطنٌ و هو أكثر أبنائه ولاءِ
                               على رغم خجلي من قلة كرمي
                          أنا أتمنى أن أعيش في زمانهِ
                                لأتعلم منه الكرمَ و الكبيراءِ
                         و رغم خوفي من منافسته في الكرم
                                فيكتسح بكرمه و أكون آخر الكرماءِ
                         فلا شك أنه سيكون لي شرفاً
                                لوضع اسمي خلف أحد من الأجِلاءِ
                         و يبدو أنني خدعت في نفسي
                                فهو للكرم فريقٌ و أنا مجرد لواءِ "
أدرت وجهي من على صورة الشيخ خليفة لأنظر لحاتم و أقول له شئ إلا أنني لم أجده ! لكن ما أدهشني هو الصدى الهائل في قوله : " فالكرم له وطنٌ و هو أكثر أبنائه ولاءِ ", ظللت أنظر لصورة الشيخ خليفة بن زايد و أتامل فيها و ظل القطار متوقفاً أمام الصورة لايتحرك .. لم يمر من الوقت كثيرا حتى وجدت سائق القطار أمامي و قال لي : " لقد وصلنا للخير ".